فتاوى أهل العلم
1. قال علماء اللجنة الدائمة :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
أولا : العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد إما بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع أو نحو ذلك فالعيد يجمع أمورا منها : يوم عائد كيوم عيد الفطر ويوم الجمعة ، ومنها : الاجتماع في ذلك اليوم ، ومنها : الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات .ثانيا : ما كان من ذلك مقصودا به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للأجر ، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار فهو بدعة محدثة ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم ، مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد وعيد الأم والعيد الوطني لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله ، وكما في ذلك التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة ، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار ، وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلا لمصلحة الأمة وضبط أمورها كأسبوع المرور وتنظيم مواعيد الدراسة والاجتماع بالموظفين للعمل ونحو ذلك مما لا يفضي إلى التقرب به والعبادة والتعظيم بالأصالة ، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فلا حرج فيه بل يكون مشروعاً .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 3 / 59 ، 61 ) .
2. وقالوا – أيضاً - :
لا يجوز الاحتفال بما يسمى " عيد الأم " ولا نحوه من الأعياد المبتدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ، وليس الاحتفال بعيد الأم من عمله صلى الله عليه وسلم ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم ولا من عمل سلف الأمة ، وإنما هو بدعة وتشبه بالكفار .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 3 / 86 ) .
3. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز :
اطلعتُ على ما نشرته صحيفة (الندوة) في عددها الصادر بتاريخ 30 / 11 / 1384 هـ تحت عنوان (تكريم الأم.. وتكريم الأسرة) فألفيت الكاتب قد حبذ من بعض الوجوه ما ابتدعه الغرب من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه بالأم وأَوْرَدَ عليه شيئا غفل عنه المفكرون في إحداث هذا اليوم وهي ما ينال الأطفال الذين ابتلوا بفقد الأم من الكآبة والحزن حينما يرون زملائهم يحتفلون بتكريم أمهاتهم واقترح أن يكون الاحتفال للأسرة كلها واعتذر عن عدم مجيء الإسلام بهذا العيد ؛ لأن الشريعة الإسلامية قد أوجبت تكريم الأم .
ولقد أحسن الكاتب فيما اعتذر به عن الإسلام وفيما أورده من سيئة هذا العيد التي قد غفل عنها من أحدثه ولكنه لم يشر إلى ما في البدع من مخالفة صريح النصوص الواردة عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام ولا إلى ما في ذلك من الأضرار ومشابهة المشركين والكفار فأردت بهذه الكلمة الوجيزة أن أنبه الكاتب وغيره على ما في هذه البدعة وغيرها مما أحدثه أعداء الإسلام والجاهلون به من البدع في الدين حتى شوهوا سمعته ونفروا الناس منه وحصل بسبب ذلك من اللبس والفرقة ما لا يعلم مدى ضرره وفساده إلا الله سبحانه.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحذير من المحدثات في الدين وعن مشابهة أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه وفي لفظ لمسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ، والمعنى :
فهو مردود على ما أحدثه وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة : " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " خرجه مسلم في صحيحه ، ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته المرضيون ، فوجب تركه وتحذير الناس منه ، والاكتفاء بما شرعه الله ورسوله .
وقد سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم الأم والتحريض على برها كل وقت وقد صدق في ذلك فالواجب على المسلمين أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسمع لها في المعروف كل وقت وأن يحذروا من محدثات الأمور التي حذرهم الله منها والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم واستحسان ما استحسنوه من البدع, وليس ذلك خاصا بالأم بل قد شرع الله للمسلمين بر الوالدين جميعا وتكريمهما والإحسان إليهما وصلة جميع القرابة وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة وخص الأم بمزيد العناية والبر؛ لأن عنايتها بالولد أكبر ما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته أكثر قال الله سبحانه: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } الإسراء/23 ، وقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } لقمان/14 ، وقال تعالى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } محمد/22 ، 23 .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور ، وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك ثم الأقرب فالأقرب .
وقال عليه الصلاة والسلام " لا يدخل الجنة قاطع " ، يعني : قاطع رحم ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أجَله فليصل رحمه " ، والآيات والأحاديث في بر الوالدين وصلة الرحم وبيان تأكيد حق الأم كثيرة مشهورة وفيما ذكرنا منها كفاية ودلالة على ما سواه وهي تدل مَنْ تأملها دلالة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعا واحترامهما والإحسان إليهما وإلى سائر الأقارب في جميع الأوقات وترشد إلى أن عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات والكبائر التي توجب النار وغضب الجبار نسأل الله العافية من ذلك .
وهذا أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب من تخصيص الأم بالتكريم في يوم من السنة فقط ثم إهمالها في بقية العام مع الإعراض عن حق الأب وسائر الأقارب ولا يخفى على اللبيب ما يترتب على هذا الإجراء من الفساد الكبير مع كونه مخالفا لشرع أحكم الحاكمين وموجباً للوقوع فيما حذر منه رسوله الأمين .
ويلتحق بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالموالد وذكرى استقلال البلاد أو الاعتلاء على عرش الملك وأشباه ذلك فإن هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه وهذا مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن " ،
وفي لفظ آخر: " لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، قالوا : يا رسول الله فارس والروم ؟ قال : فمن ؟ " ، والمعنى فمن المراد إلا أولئك فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من متابعة هذه الأمة إلا من شاء الله منها لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلاقهم وأعمالهم حتى استحكمت غربة الإسلام وصار هدي الكفار وما هم عليه من الأخلاق والأعمال أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به الإسلام وحتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة عند أكثر الخلق بسبب الجهل والإعراض عما جاء به الإسلام من الأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة المستقيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون
ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في الدين وأن يصلح أحوالهم ويهدي قادتهم وأن يوفق علماءنا وكتابنا لنشر محاسن ديننا والتحذير من البدع والمحدثات التي تشوه سمعته وتنفر منه إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن سلك سبيله واتبع سنته إلى يوم الدين .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 189 ) .